إقامة الحدود في الغَيْبة

فإن قيل: فالحدود في حال الغَيْبة ما حكمها؟
فإن سقطت عن فاعلي ما يوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشريعة!
وإن كانت ثابتة فمن يقيمها مع الغيبة؟!
قلنا: الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب الجناة بما يوجبها من الأفعال، فإن ظهر الإمامُ والمستحقُّ لهذه الحدود باقٍ أقامها عليه بالبيّنة أو الإقرار، وإنْ فات ذلك بموته كان الإثم في تفويت إقامتها على من أخاف الإمام وألجأه إلى الغيبة.
وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود؛ لأنّ الحدّ إنّما تجب إقامته مع التمكّن وزوال الموانع، ويسقط مع الحيلولة.
وإنّما يكون ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامة الحدّ مع التمكّن وزوال الأسباب المانعة من إقامته.
ثمّ يُقلب هذا عليهم فيقال لهم: كيف قولكم في الحدود التي
 


(59)

تستحقّها الجناة في الأحوال التي لا يتمكّن فيها أهل الحلّ والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟! فأيّ شيء قالوه في ذلك قيل لهم مثله.
فإن قيل: كيف السبيل مع غَيْبة الإمام إلى إصابة الحقّ؟!
فإن قلتم: لاسبيل إليه، فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة وريب في سائَر أُمورهم.
وإنْ قلتم: يصاب الحقّ بأدلّته (قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة) ورجوع إلى الحقّ؟!(87)
قلنا: الحقُّ على ضربين: عقليّ وسمعيّ:
فالعقليّ يصاب بأدلّته ويدرك بالنظر فيها.
والسمعيّ (عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبيّ عيله السلام ونصوصه) (88) وأقوال الأئمة من ولده عليهم السلام، وقد بيّنوا ذلك وأوضحوه، ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه.
غير إنّ هذا، وإن كان على ما قلناه، فالحاجة إلى الإمام ثابتة لازمة؛ لأنّ جهة الحاجة إليه - المستمرّة في كلّ زمان وعلى كلّ وجه - هي كونه لطفاً لنا في فعل الواجب وتجنّب القبيح، وهذا ممّا لا يغني عنه شيء، ولا يقوم مقامه فيه غيرُه.
فأمّا الحاجة إليه المتعلّقة بالسمع والشرع فهي أيضاً ظاهرة:
لأنّ النقل، وإنْ كان وارداً عن الرسول صلىّ الله عليه وآله وعن آباء
____________
(87) إلى هنا ينتهي تفريع الإشكال، وما بين القوسين سقط من «أ».
(88) ما بين القوسين سقط من «ج».
 


(60)

الإمام عليهم السلام بجميع ما يحتاج إليه في الشريعة، فجائزٌ على الناقلين أن يعدلوا عن النقل، إمّا اعتماداً(89) أو اشتباهاً، فينقطع النقل أو يبقى فيمن ليس نقله حجّة، فيحتاج حينئذٍ إلى الإمام ليكشف ذلك ويوضّحه ويبيّن موضع التقصير فيه.
فقد بان: أنّ الحاجة ثابتة على كلّ حال، وإنْ أمكنت إصابة الحقّ بأدلّته.

____________
(89) في «الغَيْبة» للطوسي - ص 96 -: تعمّداً.

العودة للصفحة الرئيسية